الممارسات الاحتيالية كإحدى صور الفساد في الصفقات العمومية

مـقـدمـةː

   تعتبر الصفقات العمومية من بين الوسائل التي تلجأ إليها الإدارة لتلبية حاجاتها ولتنفيذ السياسة الاقتصادية والاجتماعية للدولة، ويرتبط موضوعها ارتباطا وثيقا بالنفقات العمومية، ولضمان نجاعة الطلبات العمومية والاستعمال الحسن للمال العام، يجب أن تراعي في الصفقات العمومية مبادئ أساسية وهي: حرية الولوج للطلبات العمومية والمساواة في معاملة المرشحين وشفافية الإجراءات، طبقا للمادة 5 من المرسوم الرئاسي رقم 15-247 الصادر في 2015/09/16 المتضمن قانون الصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام.

كما نصت المادة 9 من قانون رقم 06-01 المؤرخ في 2006/02/20 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته في مجال إبرام الصفقات العمومية على: علانية المعلومات والإجراءات، الإعداد المسبق لشروط المشاركة والانتقاء،معايير موضوعية ودقيقة، ممارسة كل طرق الطعن في حالة عدم احترام قواعد إبرام الصفقات العمومية.

تبرز أهمية الصفقات العمومية باعتبارها أداة تنفيذ مخططات التنمية الوطنية والمحلية على حد سواء،ذلك أن البرامج والخطط الاستثمارية التي تضعها السلطات المركزية المختصة إنما يقع تنفيذها على الإدارة المعنية في جزء كبير منها عن طريق الصفقات العمومية، تقريبا 60% من ميزانية الدولة تنفق أو تسير عن طريق الصفقات العمومية.

وعلى أساس ذلك نستعرض عليكم باختصار شديد حدود مبالغ الصفقة العمومية، ومنظومة الرقابة التي تمارس على الصفقات العمومية، ثم نتطرق إلى الممارسات الاحتيالية في مجال الصفقات العمومية.

تعريف الصفقة العمومية:

عرفت المادة 2 من المرسوم الرئاسي رقم 15-247 الصادر 2015/09/16 المتضمن تنظيم الصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام)، "الصفقات العمومية عقود مكتوبة في مفهوم التشريع المعمول به، تبرم بمقابل مع متعاملين اقتصاديين وفق الشروط المنصوص عليها في هذا المرسوم، لتلبية حاجات المصلحة المتعاقدة في مجال الأشغال واللوازم والخدمات والدراسات".

لا توجد مادة معينة لتعريف الصفقات العمومية، ولكن هناك مواصفات ومعايير التي تسمح بتعريف الصفقة العمومية ألا وهي:

المعيار العضوي: بحيث أن تنظيم الصفقات العمومية لا يطبق إلا على بعض الأشخاص المعنوية المذكورة في المادة 6 من المرسوم الرئاسي المذكور أعلاه.

المعيار المادي: لأول مرة جاء هذا المرسوم بتوضيح، حيث استثنى من مجال تطبيقه بعض العقود وهي تسعة (9)، المذكورة في المادة 7 من المرسوم الرئاسي المذكور أعلاه.

المعيار المالي: ورد في المرسوم أنه عندما يقل المبلغ عن الحد الأدنى المنصوص عليه في المادة 13  الفقرة 1 من المرسوم الرئاسي رقم 15-247 المؤرخ في 2015/09/16، لا تقضي وجوبا إبرام صفقة عمومية وفق الإجراءات الشكلية المنصوص عليها في هذا المرسوم، غير أنه نصت الفقرة 2 من نفس المادة 13، أنها تسمح للمصلحة المتعاقدة إعداد مدونة إجراءات مكيفة، وفي حالة عدم وجود هذه الإجراءات المكيفة، تلتزم المصلحة المتعاقدة بتطبيق الإجراءات الشكلية الواردة في المرسوم، مهما كان المبلغ.

تحديد الحاجات:

تعبر عملية تحديد الحاجات مفتاح وأساس نجاح الصفقة، تحدد حاجات المصالح المتعاقدة الواجب تلبيتها مسبقا، قبل الشروع في أي إجراء لإبرام صفقة عمومية. (المادة 27 من المرسوم الرئاسي رقم 15-247 الصادر في 2015/09/16 المتضمن تنظيم الصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام).                                                                          

•    يحدد مبلغ حاجات المصالح المتعاقدة استنادا إلى تقدير إداري صادق وعقلاني.

•    يجب إعداد الحاجات من حيث طبيعتها ومداها بدقة، استنادا إلى مواصفات تقنية مفصلة تعد على أساس مقاييس أو نجاعة يتعين بلوغها أو متطلبات وظيفية.

•    يجب أن لا تكون هذه المواصفات التقنية موجهة نحو منتوج أو متعامل اقتصادي معين.

•    عندما ترخص المصلحة المتعاقدة، فيما يخص الخدمات المعقدة تقنيا وفق الشروط المحددة والمضبوطة في دفتر الشروط، فإنه يمكن للمتعهدين تقديم بديل أو عدة بدائل للمواصفات التقنية.

•     يجب النص على كيفية تقييم وتقديم بدائل المواصفات التقنية في دفتر الشروط، كما يجب تقييم كل البدائل المقترحة.

•    في حالة حاجات جديدة،يمكن المصلحة المتعاقدة إما إبرام ملحق، طبقا لأحكام المواد من هذا المرسوم.

•    يمنع تجزئة الحاجات بهدف تفادي الإجراءات الواجب إتباعها، الخاصة بتأشيرة لجنة الصفقات، ولجنة فتح وتقييم العروض...

كون مرحلة تحدید وضبط الحاجات تمثل حجز الزاویة في نجاح ورشادة وفعالية الصفقة العمومية في تلبية حاجات ومتطلبات المجتمع، وكذا الحفاظ على المال من كل أشكال التبديد،الاختلاس...

الإجراءات المكيفة:

حدود مبالغ الصفقة العمومية المادة {المادة 13} من المرسم الرئاسي رقم 15-247 المؤرخ في 2015/09/16 المتضمن تنظيم الصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام.

- كل صفقة عمومية يساوي فيها المبلغ التقديري لحاجات المصلحة المتعاقدة أثنى عشر مليون دينار(12.000.000) أو يقل عنه للأشغال أو اللوازم، وستة ملايين دينار (6.000.000) للدراسات أو الخدمات، لا تقضي وجوبا إبرام صفقة عمومية وفق الإجراءات الشكلية.

- وبهذه الصفة، تعد المصلحة المتعاقدة إجراءات داخلية لإبرام هذه الطلبات وعندما تختار المصلحة المتعاقدة أحد الإجراءات الشكلية، المنصوص عليها في هذا المرسوم، فإنه يجب عليها مواصلة إبرام الطلب بنفس هذا الإجراء.

منظومة الرقابة على الصفقات العمومية

يتضح في هذا المجال أن المشرع أولى اهتماما كبيرا لموضوع الرقابة على الصفقات العمومية، وذلك من خلال نصه في الفقرة الثانية من المادة 156 منه على أن عمليات الرقابة التي تخضع لها الصفقات العمومية تمارس في شكل رقابة داخلية، رقابة خارجية، رقابة الوصاية.

الرقابة الداخلية: (لجنة فتح الاظرفة وتقييم العروض) المواد من 159  إلى 162 من المرسوم الرئاسي  رقم 15-247 الصادر في 2015/09/16 المتضمن تنظيم الصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام.

الرقابة الخارجية القبلية: (لجان الصفقات العمومية) المواد 171 إلى 179 من المرسوم الرئاسي رقم 15-247 الصادر في 2015/09/16 المتضمن تنظيم الصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام.

جاء هذا المرسوم من اجل تخفيف من تركيز الرقابة التي كانت تمارس على مستوى اللجان الوطنية، والهدف من هذه الإصلاحات هي تفعيل الرقابة على الصفقات العمومية، قصد التأكد من صحة إجراءات إبرام الصفقات العمومية، وتقديم مساعداتها في مجال تحضير الصفقات وإتمام تراتيبها، وتأشيرة دفاتر الشروط والمصفقات والملاحق، مع معالجة الطعون التي يقدمها المتعهدون.

أنواع لجان الصفقات العمومية:

- اللجنة الجهوية للصفقات العمومية، ( المادة 171).

- لجنة الصفقات للمؤسسة العمومية الوطنية والهيكل غير ممركز للمؤسسة العمومية الوطنية ذات الطابع الإداري، ( المادة 172).

- اللجنة الولائية للصفقات، ( المادة 173).

- اللجنة البلدية للصفقات، ( المادة 174).

- لجنة الصفقات للمؤسسة العمومية المحلية والهيكل غير الممركز للمؤسسة العمومية الوطنية ذات الطابع الإداري، ( المادة 175).

- اللجنة القطاعية للدوائر الوزارية:تحدث لجنة قطاعية على مستوى كل وزارة، ( المادة 179).

رقابة الوصاية: بالعودة إلى المرسوم الرئاسي رقم 15-247 نجد أن المشرع خصها بمادة وحيدة وهي المادة 164 أين نص فيها أن الغاية من رقابة الوصاية هو التحقق من مطابقة الصفقات لأهداف الفعالية والاقتصاد، والتأكد فعلا أن العملية تدخل في إطار البرامج والأسبقيات المرسومة للقطاع، بحيث انه عند الاستلام النهائي للمشروع، تعد المصلحة المتعاقدة تقريرا تقييما عن ظروف انجازه وكلفته الإجمالية، يرسل هذا التقرير إلى السلطة الوصية، مسؤول الهيئة العمومية، الوزير، الوالي أو رئيس المجلس الشعبي البلدي، وكذلك إلى هيئة الرقابة المختصة مجلس المحاسبة، وترسل نسخة من هذا التقرير إلى سلطة ضبط الصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام، المنشأ بموجب أحكام المادة 213 من هذا المرسوم.

بالإضافة إلى الرقابة السابقة التي تمارس من طرف لجنان فتح وتقييم العروض، ولجان الصفقات العمومية، ورقابة الوصاية، ورقابة المراقب المالي ورقابة المحاسب العمومي المكلف بالتسديد أو الدفع، توجد رقابة لاحقة أو بعدية تقوم بها المفتشية العامة للمالية (المرسوم التنفيذي رقم 92-78 المؤرخ في 1992/02/22 المحدد لاختصاصات المفتشية العامة للمالية)، ورقابة مجلس المحاسبة (الأمر 95-20 الصادر في 1995/07/17 المتعلق بمجلس المحاسبة،المعدل والمتمم).

الممارسات الاحتيالية:

أن الممارسات الاحتيالية تعد صورة من صور الفساد المتفشية في الصفقات العمومية، وهي متعددة وتصاحب جميع مراحل إبرام الصفقة ابتداء من مرحلة تحديد الحاجات، اختيار طريقة إبرامها ومرورا بإجراءاتها وشكلياتها وانتهاء باختيار المتعامل المتعاقد، ثم تنفيذ الصفقة، والجدير بالذكر أن مرحلة الاختيار والإبرام هي أكثر عرضة للفساد، لأنها تشهد تنافسا كبيرا بين المتعهدين، كون أن هذه المرحلة هي التي يتم فيها اختيار وإرساء الصفقة، بالإضافة إلى بعض الصور يمكن معاينتها أثناء مرحلة التنفيذ.

يمكن معاينة هذه الصور فيما يلي:

تحديد حاجات المصلحة: عدم وجود دواعي اقتصادية لتبرير وجود المشروع.

سوء تقييم الاحتياجات معلومات خاطئة، مزيفة أو معدلة،

المبالغة في تحديد الحاجات الخاصة بالنوعية، الكمية، والآجال،

- تحديد مواصفات ومعايير بطريقة موجة إلى متعامل اقتصادي معين،

- مواصفات غير مدرجة في دفتر الشروط دون تبرير، مع عدم تحديد المعايير بدقة وموضوعية،

- مواصفات ومعايير تعجيزية متعلقة بالآجال والخصائص التقنية،

- تلاعب عمدا في الآجال في إطار تحضير واستلام العروض، رزنامة الآجال لا تضمن المساواة بين المتعاملين الاقتصاديين.

- تسريب معلومات لبعض المتعاملين قصد الإخلال بمبدأ المنافسة، عدم وجود تجانس في تطبيق الرزنامة بين المتعهدين، بحيث أن المتعامل المتحصل على المعلومات مسبقا يقدم عرضا متكاملا بمقارنة مع المتعهدين الآخرين،

- نشر الإعلان عن طلب العروض في جرائد غير موزعة على المستوى الوطني، كذلك عدم نشر الإعلان على المنح المؤقت أو إلغائه أو إعلان عن عدم أو إلغاء الإجراء في نفس الجرائد التي نشر فيها إعلان عن طلب العروض، مفاده عدم السماح للمتعهدين بممارسة حقهم في الطعن لدى لجنة الصفقات العمومية المختصة.

- نشر الإعلان عن طلب العروض في موسم الاصطياف (فترة العطل)، مما يؤدي إلى عدم علم بعض المتعاملين الاقتصاديين  بالطلبات المعلن عنها،

- المتعهدين الذين لم ترسوا عليهم الصفقة، يصبحون مناولين عند المتحصل عليها، غياب الشفافية في اختيارهم، مع عدم وجود آليات تضمن مسؤوليتهم.

- المبالغة في كثرة الدراسات،دراسات غير مجدية،

- التلاعب بمعايير الترجيح،أي عدم الدقة في عملية التنقيط،

- تمديد أجال التنفيذ عن طريق أوامر إيقاف الأشغال وأوامر بداية الأشغال، مما يؤدي إلى مضاعفة الآجال المتفق عليها في الصفقة الأصلية، مع عدم تطبيق غرامات التأخير. O.D.S d'arrêts et reprises،

- تجزئة الحاجات بهدف تفادي الإجراءات الواجب إتباعها، والمتعلقة بإعداد دفتر شروط موحد، الإعلان في الجرائد الوطنية والنشرة الرسمية لصفقات المتعامل العمومي، تأشيرة لجنة الصفقات،

- اللجوء المتكرر إلى إبرام ملاحق،

- أشغال جديدة تمت دون إبرام ملحق،

- اللجوء المتكرر إلى صفقات التسوية،

- تغيير غير مبرر للأشخاص والهيئات المكلفة بالمشروع، مع عدم تقسيم المهام،

- حذف بعض الاحتياجات تم إدراجها في دفتر الشروط والصفقة، يقدم المتعهد في هذه الاحتياجات أسعار منخفضة جدا، وبشكل غير عادي لمرجع الأسعار،قصد تمكينه من تقديم العرض المالي الأقل مبلغا، مقارنة مع العروض المالية الأخرى، ثم يتم حذفها بتواطؤ من المتعاقد عن طريق ملحق إلغاء بعض الأشغال، وإدراج أشغال جديدة.

- عدم وجود استلام رسمي للمواد،التجهيزات، أو الأشغال (أو غالبا ما يكون مؤجل، أو غير مكتمل، أو تتم العملية من طرف شخص واحد)،

- الجرد الغير المكتمل،

- رفع اليد عن كفالة حسن التنفيذ، أو الاقتطاع عن حسن التنفيذ قبل الاستلام النهائي للصفقة.

الخاتمة:

   تعتبر الصفقات العمومية آلية لتنفيذ النفقات العمومية لذا أحاطها المشرع بالعديد من الإجراءات الرقابية، منها القبلية والبعدية، رغم هذا ما تزال الممارسات الاحتيالية سائدة،هذا ما يقود المشرع إلى حتمية تحيين الإجراءات المعمول بها في مجال الصفقات العمومية من جهة، من جهة أخرى على الإدارة الإسراع بتفعيل سلطة ضبط الصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام المنصوص عليها في المادة 213 من المرسوم الرئاسي السالف الذكر، مع برمجة دورات تكوينية لفائدة الموظفون والأعوان العموميون المكلفون بتحضير وإبرام وتنفيذ الصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام، مع إعداد مدونة أدبيات وأخلاقيات المهنة للأعوان العموميين المتدخلين، وفي إطار مبدأ تعزيز شفافية الإجراءات والولوج إلى الطلبات العمومية، واحترام مبدأ المنافسة، ورد في المادة 203 من المرسوم الرئاسي السالف الذكر، إلزامية تأسيس وتفعيل البوابة الالكترونية الخاصة بالصفقات العمومية.