تطور التشريع الجزائري في مجال الوقاية من الفساد ومكافحته دراسة من إعداد السيد ع. معزوز ، رئيس الديوان.

على غرار ما تعرفه معظم الدول من تفاقم واستشراء لظاهرة الفساد مقابل ما تبديه المجتمعات من مقاومة ورفض وعدم رضوخ لحالة الأمر الواقع المراد فرضها عليها، سعت السلطات الجزائرية جاهدة لتبني إستراتيجية متعددة الأوجه في مجال الوقاية من هذه الظاهرة ومحاربتها وفق مقاربة تستهدف خاصة تطوير منظومتها التشريعية لضمان فعالية أكثر لعمل المؤسسات والهيئات المكلفة بذلك وفق مناهج وآليات حديثة.

أولا: السياق العام الذي يتم فيه تحديث المنظومة التشريعية الجزائرية يتميز بـ:

  • وجود قناعة واعتقاد جازم أن الفساد ظاهرة إجرامية خطيرة استشراؤه من شانه تهديد السلم الاجتماعي والتأثير على كيان الدولة وعرقلة برامج التنمية.
  • تسجيل عدد من قضايا الفساد وإحالة مرتكبيها المفترضين على الجهات القضائية المتخصصة للنظر فيها وما تبع ذلك من ردود أفعال كرس الاعتقاد بخطورة الظاهرة.
  • انطلاق مشاريع اقتصادية واستثمارية عمومية ضخمة بالتوازي مع استثمار ونشاط تجاري واقتصادي مع شركاء أجانب وما يتطلب ذلك من جهد وإستراتيجية للوقاية من حدوث عمليات فساد.
  • بروز شعور بالمسؤولية الجماعية لدى المجتمع ترجمتها بصورة واضحة وسائل الاتصال لاسيما الصحافة عبر مقالات تسعى من خلالها إلى فضح ونقل والتبليغ عن أية وقائع ذات صلة بالفساد، والأمر نفسه يخص مواقع التواصل الاجتماعي، مع نقد لاذع لما يعتبر عجزا للسلطات العمومية في مواجهة الظاهرة.
  • بروز سعي دولي حثيث لمواجهة ظاهرة الفساد بجميع أشكالها وبكل الوسائل المتاحة بعد تأكد الجميع أن الاستقرار والسلم الاجتماعي مهددين في مناطق عديدة من العالم بسبب تفشي الفساد وغياب الحكامة والعدالة الاجتماعية.

ثانيا: أسباب وأهداف تطوير المنظومة التشريعية الجزائرية في مجال الوقاية من الفساد ومكافحته:

  • حاجة اقتصادية واجتماعية وطنية.
  • انخراط الدولة الجزائرية في المجهود العالي لمحاربة الفساد.
  • تكييف النصوص التشريعية الجزائرية وملائمتها مع الاتفاقيات الدولية.
  • ضمان فعالية أكبر عن طريق استحداث آليات وأحكام إجرائية جديدة.
  • تعزيز قواعد النزاهة والشفافية وإرساء مبادئ المسؤولية للوصول إلى الحكامة الاقتصادية.

ثالثا: الأسس والمبادئ المعتمدة في تطوير المنظومة التشريعية الجزائرية في مجال الوقاية من الفساد ومحاربته:

  • تكريس قرينة البراءة كمبدأ حقوقي عالمي باستثناء حالات معينة مستلهمة من مضمون اتفاقية ميريدا.
  • اعتماد التخصص في تكوين الإطار البشري والمؤسساتي المكلف بقضايا الفساد من حيث الوقاية الوقاية والبحث والتحري والمحاكمة.
  • حماية الشهود والمبلغين والخبراء والضحايا في قضايا الفساد من الضغوط والتهديدات المعنوية أو الجسمانية.

رابعا: محاور تطوير المنظومة التشريعية الجزائرية في مجال الوقاية من الفساد ومحاربته:

استهدفت عملية تطوير النصوص التشريعية الجزائرية ثلاثة محاور:

  • إجرائية
  • موضوعية
  • مؤسساتية
01- محور الإجراءات:
  • استحداث أساليب جديدة في مجال البحث والتحري ومعاينة الجرائم المتعلقة بالفساد.
  • استحداث جهات قضائية متخصصة للنظر في قضايا الفساد وهو ما يصطلح عليه بالأقطاب القضائية.
  • إعادة النظر في آجال التقادم بغرض حرمان المتورطين من الإفلات من العقاب
  • توسيع الاختصاص الإقليمي لضباط الشرطة القضائية.
02 – القواعد القانونية الموضوعية التي صدرت في مجال الوقاية من الفياد و مكافحته:
  • أدخلت تعديلات جوهرية على قانون العقوبات في مجال التجريم والعقوبة، إقرار المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي.
  • تعزيز التعاون الدولي، واسترجاع الموجودات.
  • صدرت مجموعة من النصوص القانونية، أهمها: القانون 06–01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومحاربته، القانون 05–01 المتعلق بالوقاية ومكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، القانون 04–14 المتعلق بتجريم تبييض الأموال، الأمر 05 – 06 المتعلق بمحاربة التهريب، الأمر 03 – 01 المتعلق بحركة رؤوس الأموال، الأمر 03 – 11 المتعلق بالنقد والقرض.
  • التصديق على مجموعة من الاتفاقيات الدولية تتعلق بالتعاون الدولي بصورة جماعية أو ثنائية.
03 - الآليات المستحدثة في مجال الوقاية من الفساد ومحاربته:
أ- خلية معالجة الاستعلام المالي:

أنشأت بموجب المرسوم الرئاسي 127–02 وتتمتع بالشخصية المعنوية و الاستقلال المالي، مهمتها تحليل المعطيات المتحصل عليها من خلال الإخطارات بالشبهة الواردة إليها وتقرير الإجراء الواجب اتخاذه على ضوء ذلك. الهيئة عالجت مجموعة من القضايا، وهي تعمل بالتنسيق الكامل مع بقية المؤسسات المكلفة بالوقاية من الفساد ومحاربته.

ب – الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته:

أنشأت بموجب القانون 06–01، تطبيقا لأحكام الفصل الثاني من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والمصادق عليها من قبل الجزائر عام 2004، مهامها وقائية تتم عن طريق جمع المعلومات، إجراء التحاليل والدراسات، تتلقى التصريح بالممتلكات، تهتم بالتحسيس والتكوين واقتراح الحلول الكفيلة لمواجهة ظاهرة الفساد، الهيئة أعدت مؤخرا برنامج عمل مدته ثلاث سنوات.

ج – الديوان المركزي لقمع الفساد:

مصلحة مركزية عملياتية للشرطة القضائية موضوع لدى وزير العدل، يتمتع بالشخصية المعنوية والاستغلال المالي، أنشأ بموجب الأمر رقم 10-05 المتمم للقانون 06–01 وتطبيقا لأحكام الفصل الثاني من الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد. مهام الديوان وتشكيله وتنظيمه عالجها المرسوم الرئاسي 11 – 426 المؤرخ في 08/12/2011، يتمثل دوره في البحث والتحري والتحقيق ومعاينة الجرائم المتعلقة بالفساد.

04 - الآليات التقليدية التي دعمت مهامها في مجال الوقاية من الفساد ومحاربته:

- تتوفر الجزائر على آليات أخرى متخصصة في مجال الوقاية من الفساد ومحاربته تم تعزيز دورها في سياق تعديلات تشريعية مست هياكلها وتنظيمها ومهامها ويتعلق الأمر بـ :

* مجلس المحاسبة:

هيئة عليا للرقابة البعدية على أموال الدولة والجماعات الإقليمية أنشات بموجب دستور 1976 وتأسست عام 1980، خضع الأمر رقم 95–02 المحدد لمهامها وتنظيم سير مصالحها إلى تعديل تم بموجب الأمر 10–02 بغرض تمكينها من الانخراط في مجهود الوقاية من الفساد ومحاربته عن طريق المراقبة لإرساء قواعد تسيير صحيحة، نزيهة وشفافة.

* المفتشية العامة للمالية:

هيئة رقابة أنشأت عام 1980، بموجب الرسوم الرئاسي 80-53 الذي تم تعديله بموجب المرسوم الرئاسي 92–78 كما أدخلت عليه تعديلات جوهرية بموجب المرسوم 08–272، مهام المفتشية العامة للمالية هي الرقابة على التسيير المالي والمحاسبي للدولة والجماعات المحلية الإقليمية والهيئات والأجهزة والمؤسسات ذات الطابع الصناعي والتجاري.

* مصالح الضبطية القضائية بمختلف فروعها:

هي إحدى الآليات الفعالة بحكم انتشارها وتواجدها عبر كامل الإقليم الجزائري، وبالنظر إلى إمكانياتها المادية وأطرها البشرية وقدراتها التقنية وبخبرتها العملياتية، تم تدعيم صلاحياتها عن طريق توسيع مجال الاختصاص الإقليمي واستحداث أساليب بحث وتحري وقواعد عمل فعالة تعتمد على التكوين المتخصص والمستمر لأطرها البشرية.

05 - هيئات ومؤسسات ومصالح إدارية مركزية ومحلية:

ويتعلق الأمر بالمرصد الوطني للمراقبة والوقاية من الرشوة المنشأ بموجب المرسوم الرئاسي 96–233 إضافة إلى مجموعة من المصالح المركزية والإقليمية، كإدارة الجمارك، والمديرية العامة للضرائب، مصالح الخزينة العامة، لبنك الجزائر، مختلف اللجان القطاعية الخاصة بالصفقات العمومية، المراقبون الماليون، مصالح إدارة المنافسة والأسعار.

الخلاصة:

إن الاجتهادات و المجهودات الوطنية في محاربة ظاهرة الفساد لا يمكن أن تحقق النتائج المرجوة في ظل وجود شعور بالتردد وأحيانا عدم المبالاة على المستوى الدولي.

إن ظهور مناطق يصطلح على تسميتها بالجنان الضريبية والتمسك بمبادئ السرية في التعاملات البنكية، والتعاون المشروط والانتقائي في تطبيق بعض حالات توقيف المجرمين وتسليمهم صورة قاتمة تحتفظ بها الشعوب التواقة للعدالة.